تعالوا نتكلم عن العلم اللى بجد، فالعلم شىء والتهريج شىء آخر، والعلم مختلف عن الدجل والسحر والشعوذة، أحياناً تكون مضطراً، فى مجتمع مثل مصر، أن تدافع عن قيثارتك ولا تعزف عليها، تضطر إلى تفنيد الدجل دون أن تشرح: ما هو العلم وكيف وصل من هم على الشاطئ الآخر إلى كل هذا التقدم العلمى؟ فى مجتمع يعشق الخرافة مكتوب عليك يا ولدى أن تظل تدق ناقوس الخطر لكى تحذر دون أن يكون لديك الوقت لتطوير نواقيس أخرى توقظ وتحفز وتغير!

نحن للأسف نبدأ بالنتيجة ثم الملاحظة بعدين لإثبات النتيجة المسبقة التى فى دماغنا، هم بدأوا بالملاحظة أولاً لكى يصلوا إلى النتيجة، هذا هو الفرق الأساسى بين سيناريو التفكير العربى المتعثر المتلجلج وسيناريو التفكير الغربى المنطلق الجسور، الكارثة أن لدينا هاجساً وعقدة ساكنة فى خلايا النخاع أن نصوصنا الدينية تحتاج إلى إثباتات علمية، فتكون نقطة انطلاقنا ما بين دفتى كتاب تراثى قديم، نشحذ أدواتنا ونسخر معاملنا لإثبات صحة ما فيه، أما نقطة انطلاقهم فهى مراقبة وملاحظة الطبيعة والواقع ثم الخروج بنتيجة علمية واختبار كم تصمد هذه النتيجة أو النظرية، نحن نظل نلف وندور لإثبات أن الآية التى تتحدث عن الفلك صحيحة، وأن ما شرحه الفقيه وجمعه المحدث هو صحيح، فنظل نلوى عنق الأشياء والنصوص لكى تتطابق مع النتائج العلمية التى للأسف وصل إليها الناس اللى بتشتغل علم بجد، أما هم فاخترعوا التليسكوب واقتحموا السماء والمجرات وخرجوا بنتائج لم يهتموا إن كانت تتطابق مع تفسيرات كهنتهم للكتاب المقدس أم لا.

هذا الكلام ينطبق على قضية دواء بول الإبل الذى قامت الدنيا على شخصى الضعيف عندما انتقدت من يروجون له وكأننى هدمت ركناً سادساً للإسلام!!، لو طبقنا الكلام السابق على ما نحن بصدده لوجدنا أن ما حرك راعى بول الإبل هو إثبات صحة نص أو معجزة حديث ورفض أن تكون الأحاديث التى تتناول عادات أو ممارسات وليست عبادات هى بنت زمانها، ولابد أن توضع فى إطار زمانها وأفكار بيئتها دون حساسية أو تشنج أو اتهامات بالإلحاد أو الكفر، ثم ذهب فى تجارب وأبحاث لإثبات صحة فرضه أو النتيجة التى يريد الوصول إليها ولو بطرق غير علمية، ولو كانوا بدأوا بملاحظة أن بدو الجزيرة العربية الذين يشربون بول الإبل لا يصابون بالسرطان مثلاً ثم بدأوا تجاربهم لاستخلاص المادة الفعالة لكنا قد رفعنا لهم القبعة وشددنا على أيديهم، ولكن هذا لم يحدث، ولكنه حدث مثلاً مع الأسبرين عندما لاحظ العلماء أن بعض القبائل تستعمل لحاء شجر الصفصاف لتسكين الآلام، فبدأوا الأبحاث واستخلصوا هذه المادة السحرية التى عدلوا من جرعاتها فصارت تستخدم أيضاً فى منع التجلط، ومن الممكن أن يكون العلماء غارقين فى أبحاث على دواء ما ثم يلاحظون أن له نتيجة أكثر فاعلية فى مرض آخر فيغيرون بوصلة تفكيرهم مثلما حدث مع الفياجرا لعلاج الضعف الجنسى والمينوكسيديل الذى كان علاجاً للضغط وصار علاجاً للصلع!

هو ده العلم اللى بجد أما ما يحدث عندنا فهو هزار ولكنه هزار سخيف.